اسرار | هل تنجح مليشيا إيران في طمس الهوية الوطنية اليمنية؟ | تقرير

تقرير| هل تنجح إيران في طمس الهوية الوطنية اليمنية؟

اسرار سياسية – 2 ديسمبر :

منذ الأيام الأولى لانقلابها على الدولة أواخر 2014م، تعمل مليشيا الحوثي جاهدة على طمس الهوية اليمنية، والروح الوطنية، وتفكيك النسيج المجتمعي، ونشر التوجه الطائفي والمذهبي؛ تنفيذًا للأجندة الإيرانية الرامية لطمس الهوية القومية العربية، ويشمل مخططها اليمن والعراق ولبنان.

وكما حصل في لبنان والعراق، كانت البداية في اليمن عبر حوثنة التعليم، وطمس كل الأسماء التي لها علاقة بثورتي سبتمبر وأكتوبر والنظام الجمهوري، وأعلام التنوير في البلد.

وبهذا الخصوص، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت مليشيا الحوثي باستبدال اسم مركز شهداء السبعين لمحو الأمية باسم مؤسسها الصريع حسين بدر الدين الحوثي، شقيق زعيم المتمردين المدعو عبدالملك الحوثي.

كما أقدمت على تغيير اسم مدرسة نشوان الحميري، الحكومية، في العاصمة المختطفة صنعاء، واستبدلته باسم أحد عناصرها القتلى المدعو “هاني طومر” من محافظة صعدة لقي مصرعه في محافظة الجوف.

ويحقد الحوثيون على “نشوان الحميري”؛ كونه كان قاضيًا وسياسيًا ومؤرخًا وأديبًا، كتب في تاريخ ملوك حمير، واشتهر بفخره بيمنيته ومناهضة “الإمامة” وخرافة ولاية “البطنين”.

وفي صنعاء المختطفة من قِبل المليشيا، تم تغيير اسم مدرسة “خالد بن الوليد” الحكومية إلى مدرسة “الإمام الهادي”، وهو أبرز المرجعيات الدينية الشيعية في اليمن؛ فيما تم تغيير اسم مدرسة “الفاروق” إلى “مدرسة الإمام زيد”، ومدرسة “‘عثمان بن عفان” إلى “مدرسة مالك الأشتر”، ومدرسة “عمر المختار” إلى “مدرسة علي بن الحسين”، ومدرسة “بابل” إلى مدرسة “21 سبتمبر”.

ذات الأمر في محافظة حجة، حيث أصدر مكتب التربية والتعليم الخاضع لسيطرة المليشيا الحوثية، في وقت سابق، قرارًا بتغيير أسماء 12 مدرسة أساسية وثانوية، في مديرية “الشاهل”، فتم استبدال “مدرسة الزبيري” بـ”مدرسة الإمام الهادي”، وأضحت مدرسة “النصر” مدرسة “الشهيد أبو تراب العابد”، ومدرسة “الفتح” تم تغييرها إلى مدرسة “الإمام زيد بن علي”، ومدرسة “الخير” إلى مدرسة “21 سبتمبر”، ومدرسة “المنصورة” إلى مدرسة “الشهيد القائد”، ومدرسة “النضال” إلى مدرسة “الرئيس الصماد”، ومدرسة “17 يوليو” إلى مدرسة “السيدة زينب بنت علي”، ومدرسة “الميثاق” إلى مدرسة “الحسن بن علي”.

وفي أبرز تجليات حقد المليشيا المدعومة من إيران، على اليمن وتراثه وهويته ورموزه، عمدت إلى حذف قصائد الدكتور عبدالعزيز المقالح من المناهج الدراسية، واستبدلتها بقصائد للمتشاعر الطائفي الموالي لها، معاذ الجنيد، كما قامت بتعديل المناهج الدراسية لتتضمن تاريخ قيادات المليشيا وأبرزهم الهالكين حسين بدر الدين الحوثي وصالح الصماد.

مليشيا الحوثي، وجّهت، كذلك، مديري مكاتب التربية والتعليم بما وصفته “ضرورة تفعيل الأنشطة المدرسية المناهضة للعدوان وإبرازها في الإذاعة المدرسية والمجلة الحائطية والملصقات وغيرها من الأنشطة”، في إطار محاولاتها المستميتة لغسل أدمغة الجيل وغرس أفكارها الطائفية في عقولهم.

كما تتعمد مليشيا الحوثي تكثيف الدورات والمعسكرات الصيفية وتعبئة النشء بالثقافة الجهادية التي تعلي من شأن فكرة الإمامة وأفضلية ما يسمى آل البيت، وتصوير أنّهم امتداد للصراع الهاشمي الأموي بصفته صراعًا بين الحق والباطل، وفق زعمها.

الأخطر من ذلك هو إلغاء تحية العلم في طابور الصباح وإجبار طلبة المدارس على تأدية الصرخة الطائفية للمليشيا بدلًا منها، وفرض الاحتفال بالمناسبات المذهبية مثل يوم الصرخة، ويوم الغدير، وذكرى استشهاد الحسين، وذكرى قدوم الهادي إلى اليمن، وغيرها من المناسبات المذهبية.

يرى الدكتور صادق القاضي في حديثة لـ”وكالة 2 ديسمبر” أن “من الطبيعي بالنسبة لجماعات دينية شمولية وصلت للسلطة في غفلة من الزمن، أن تقوم بأسلمة وأدلجة الحياة، ويقتضي هذا ضمنيًا تغيير أسماء المعالم والشوارع والمساجد بأسماء جديدة تعبّر عن رموزها وخصوصياتها الفئوية، ومن الطبيعي أن تبدأ هذه الجماعات من مؤسسات التربية والتعليم لتأبيد نفسها من خلال تغيير المضامين التعليمية والتربوية في المناهج التعليمية، وعفويًا من خلال تغيير أسماء المدارس”. 

ويشير “القاضي” إلى أن الحوثيين لم يبنوا مدرسة واحدة جديدة، فقط يقومون بتغيير أسماء المدارس إلى أسماء رموز حوثية إمامية، والهدف والتوجه مكشوفان: يريدون محو كل ما له علاقة بالإسلام العام أو الإسلام السني، أو الإسلامات الأخرى المتعايشة في اليمن، وقيم الجمهورية وقيم اليمنيين.. ابتداء من تغيير أسماء هذه المؤسسات التعليمية، والأخطر من خلال تغيير وأدلجة مضامين الكتب والمناهج التعليمية”.

وفي السياق، قال الكاتب عبدالسلام القيسي؛ إن ما تقوم به مليشيا الحوثي يأتي ضمن مخطط إيراني لطمس الهوية القومية العربية ليتقبل الشعب المستهدف القبول بها.

وأوضح القيسي في حديثه لـ”2 ديسمبر” أن “هذا المخطط الإيراني نراه جليًا، وبخبث في العراق ولبنان واليمن.. وخطورته عندنا في اليمن أنه يستهدف الجيل الجديد الذي لم يتشرب الجمهورية، وولد في هذه الظروف، وهنا الخطورة فقط، خطورة تشكيل ذهنية النشء الذين ولدوا منذ بدء الفوضى وترعرعوا على مناهج المليشيات، ومع ذلك أثق أنها ستفشل في طمس الهوية الوطنية؛ كون التعاليم السوداء للكهنوت تنافي العقل والمنطق ولا يمكن التعويل عليها.

وتابع: إذا توفرت المبادئ الوطنية  وغُرست بذهنية النشء عبر الإعلام الجديد؛ فسيفشل الحوثي، خاصة وقد توفرت وسائل إيصال معلومة تستطيع العبور إلى عقل وقلب كل فرد يمني، إذا توفرت محتويات مُثلى، وهذه مهمة أهل الفكر في صد هذه الهجمة الكهنوتية التي تستهدف العقلية الوطنية بشكل مكثف.

مليشيا الحوثي تجدّ وتجتهد، ومع ذلك تفشل، التكثيف الحوثي الذي يستهدف كل فئات المجتمع اليمني كان يجب أن يحقق له أكثر من ذلك، والنتيجة ليست بقدر ما تتمناه المليشيا، وحتى النتيجة التي حققتها في ذهنية الجماهير وهي نتيجة ضئيلة ليست ناجحة، بل فشل الطرف الجمهوري في الحفاظ على العقلية الوطنية للناس، الفشل فقط هو من يتيح لمليشيا الحوثي تبليد بعض الناس، وأمامنا مهمة كبيرة وصعبة للحيلولة دون أماني الكهنوت الأسود في إعادة تدوير عقلية اليمنيين حسب هواه.

من جانبه، يرى الدكتور ثابت الأحمدي، أن ثمة حقيقة ماثلة أمامنا اليوم لم يكن يتوقعها الكثير، وهي أن اليمنيين أصبحوا اليوم أكثر وعيًا بذاتهم الحضارية وكينونتهم التاريخية، وهم كذلك أكثر إدراكًا لما يريدونه خلال المرحلة القادمة، وقد عرفوا عدوهم التاريخي الوجودي المتمثل في الكيان الإمامي البغيض الذي يتبدى في أكثر من وجه بين كل فينة وأخرى.

يؤكّد الأحمدي: نحن شعب ينتمي لحضارة منذ فجر التاريخ، تزيد عن خمسة آلاف عام، وهيهات أن يستطيع هذا الكيان اللقيط أن يؤثر عليها، لأننا لسنا دولة بالصدفة، وليدة ما بعد سايكس بيكو؛ جذورنا الحضارية تمتد لآلاف السنين، وعلى كل حجر وتحت كل شجر مأثر يماني خالد، هو شاهد على عمق وحضارة هذه البلاد. 

مضيفًا: الحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يحاول هذا الكيان اللقيط زعزعة هويتنا وثقافتنا وعقيدتنا الإسلامية الصحيحة؛ محاولاتهم قديمة، والشعب لهم بالمرصاد منذ الإمام أبي محمد الحسن بن أحمد الهمداني وحتى اليوم؛ بل لقد تخلق من رحم الشعب ألف همداني وألف شوكاني وألف زبيري، وجميعهم ضد فكرة الإمامة الخمينية الإيرانية التي تحاول استعارة ثقافة آبائهم وأجدادهم في أصفهان وشيراز وقُم، وإسقاطها على اليمن التي عرفت الحياة وعرفت الحضارة قبل إيران. 

 إننا اليوم أمام صحوة وطنية جبارة لا يستطيع أي كيان الوقوف في وجهها، وما يحصل هي حالة عابرة نعرف ملابساتها وتفاصيلها، وفي النهاية سيقول الشعب كلمته الفاصلة، وفق الدكتور الأحمدي

شارك