اسرار الاقتصاد | انهيار الريال اليمني .. أزمات متلاحقة ونتائج مخيفة |

آخر رؤية للدولار في اليمن .. انهيار الريال .. أزمات متلاحقة ونتائج مخيفة وتفشي السوق السوداء حتى في “الزبادي”

 

 

اسرار سياسية – كتب/ محمد عبده الشجاع:

حركت الاحتجاجات التي خرجت نهاية الأسبوع الماضي في شوارع مدينة “دمت” -الواقعة بين محافظتي إب والضالع- بعضاً من المياه الراكدة.

فقد عبرت عن سخط شعبي عارم من قبل المواطنين، وعصيان مدني ومسيرات أكدت على إمكانية الخروج، كما طالبت مليشيا الحوثي بوقف القرارت التعسفية، بما في ذلك منع تداول العملة الجديدة دون إيجاد بدائل.

وبالعودة إلى السنوات الماضية، يمكن قراءات تدهور الريال اليمني أمام العملات الأجنبية في عدة سياقات، بحسب المعطيات وتقارير الخبراء.

فقد شكل هذا الانهيار عقبة كبيرة وضغطًا شديدًا على المواطنين بكافة مستوياتهم، خاصة الطبقة المسحوقة التي تعيش على هامش الحياة، أو بدخل محدود جدًا وغير مستقر.

بالإضافة إلى ذلك انقطاع الرواتب بشكل كامل عن 80% من موظفي الدولة، ويقدر عددهم بمليون موظف في القطاعات المدنية والعسكرية.

نتج عن هذا الانهيار وانقطاع الرواتب ارتفاع حالات الانتحار بشكل مخيف، وتفشي الجريمة، وسوء التغذية بين الأطفال، وانتشار الفقر والجوع.

الانهيار سبقه إرهاصات جلية كان أهمها شلل تام وغياب النظام الإداري للدولة، أدى إلى إرهاق الاقتصاد الذي يعاني أصلًا من انحسار تام بسبب الصراع الدائر ومدْخلاته.

تلك النتائج أخذت بالتداعي حتى وصل الأمر إلى كل بيت، بل إلى كل فرد وإن بصور متفاوتة؛ عبّرت عن أقسى مرحلة مر بها الإنسان اليمني منذ أكثر من 30 عامًا.

انعكس ذلك الانهيار على معظم السلع والخدمات الضرورية، والمزارعين، ووسائل المواصلات، والأسواق التجارية.

تفشت السوق السوداء، حتى في مادة “الزبادي”، ليصل الأمر إلى الزيادة في رسوم “التحويلات المالية”، التي جاءت بمثابة القشة.

هذا الانهيار لم يقفز مرة واحدة إلى الواجهة، لكنه كان متوقعًا ومرسومًا بإحكام، بفضل الحرب المستمرة والصراع الذي بدأ في العام 2011م وليس انتهاءً بنقل البنك المركزي إلى العاصمة الموقتة عدن في 18 سبتمبر/ 2016م.

تفاقم الأمر نهاية 2014 مع ظهور جماعة الحوثي كقوى تطمح للسيطرة على البلاد، وتكلل ذلك في العام الذي يليه 2015م، من خلال إعلان صافرة الحرب ودخول دول التحالف العربي على الخط.

إيضاحات في ذات السياق

مصطفى نصر، خبير اقتصادي، تحدث مؤخرًا حول جملة من المشكلات، منها طباعة العملة من قبل الشرعية، وزيادة رسوم التحويلات المالية، حيث قال: إن ارتفاع رسوم التحويل من مناطق الشرعية إلى مناطق سيطرة الحوثيين، سببه الرئيسي “قرار” منع التعامل بالفئات النقدية الجديدة الذي اتخذه الحوثي.

يضيف، أخطاء حكومة الشرعية لا تحصى، بسبب طباعة كميات كبيرة من النقود، وغيابها المطلق عن الرقابة على تطبيق السياسة النقدية، وتحويلات النقود والمضاربة بها.

نصر أكد على حلين لتجاوز الرسومات المرتفعة للتحويلات، إما وأن يتحمل الحوثي مسئوليته ويلغي القرار، أو يصل الطرفان إلى تسوية اقتصادية تراعي مصالح الناس.

وأشار أن القرار دافعه سياسي بحت، وأن الاستقرار في سعر صرف الريال في مناطق الحوثي “شكلي”؛ لأنه لم ينعكس على أسعار السلع.

آخر رؤية للدولار

اليمنيون ربما يتذكرون أن آخر مُصالحة لهم مع الدولار، كانت بين عامي 2012 و2013 أثناء حكومة (با سندوة)؛ حين تم الضغط على إيقاف سعر الدولار عند 214 و216 بعد أن كان جاوز ال250.

منذ ذلك الحين لم يستقر الدولار ولا الاقتصاد، فقد كانت الأمور تسير باتجاه منحى خطير نظرًا للتجاذبات السياسية التي تم تغليفها عن قصد أو على الأرجح بدون رؤية بمشاريع وشعارات غير واقعية.

أهم تلك المشاريع تغيير بعض المسميات في الدوائر الحكومية التي لم تكن ضمن الأولوية، ولا ذات أهمية، تبعها الهيكلة الإدارية والعسكرية، والتغيير السريع للكثير من القيادات والمناصب.

ناهيك عن “مؤتمر الحوار” الذي بدا في ظاهره كمخلِّص، ولم يكن سوى فخ كبير لافتتاح مشهد جديد لا يمكن سبر أغواره.

الدفع الإلكتروني والعملة الورقية

فاروق الكمالي، صحفي، يقول: الحوثي جماعة مسلحة، أوقفت الإنفاق على الخدمات لصالح الجبهات ولا تدفع الرواتب، واتخذت إجراء كارثياً يعمق أزمة السيولة، ويعزز الانقسام المصرفي، ووضعت القطاع المصرفي التجاري في مواجهة المواطنين.

وفي هذه الحالة، يفترض الكمالي، أن البنوك وشركات الصرافة مؤسسات اقتصادية مهنية، عليها أن تلتزم بالقوانين والمبادئ الأخلاقية ورأسمالها السمعة وثقة العملاء.

وتساءل: كيف تشارك في نهب أموال الناس بطريقة غير قانونية وغير أخلاقية، بدلًا من الوقوف في وجه الشلل الذي أحدثته المليشيا.

يعتقد الكمالي أن هذه الإجراءات وتداعياتها كارثية، تهز ثقة الجمهور في هذه البنوك وتدمر سمعتها، وتضعها في مواجهة مع الناس.

مؤكدًا بأن حظر النقود، إجراء يخلق أزمة سيولة، ويصيب الاقتصاد بالركود، ويعطل الأعمال والأسواق وحركة التجارة، وهنا يستحيل على البنوك أن تقوم بعملها بشكل سليم.

الكمالي عزز حديثه بكلام خطير وهو أهمية أن يكون لهذه الجهات موقف محترم، لكنها وبحسب طرحه ذهبت للمشاركة في نهب أموال الناس، وتحمست لقرار حظر النقود الجديدة، والسبب أن الحوثي أوحى لها بأن هذا القرار فرصة تاريخية لإطلاق خدمات “الدفع الإلكترونية”.

يضيف، ويكون بذلك قد حاول التقليل من تداول “النقود الورقية”، تحمست بنوك الكريمي، وبنك اليمن والكويت، وكاك بنك لهذا المشروع، لأنها تخشى مشروعا مرتقبا بهذا الخصوص تقوده مجموعة (هائل سعيد أنعم).

واختم الكمالي بالقول، إن الحوثي استخدم حظر النقود لزيادة الضغط على الحكومة، وانتزاع امتيازات، والبنوك وقفت مع الإجراء نكاية بمشروع مجموعة هايل سعيد أنعم.

اضطراب الريال.. أسباب أخرى

الحالة الاقتصادية برمتها هي انعكاس للمشهد الذي يعيشه أي بلد، ولطالما سبق هذه الحرب الجارية في اليمن إرهاصات سياسية عديدة؛ تشكلت خلال العقود الماضية وظهرت للساحة مع “الربيع العربي”، فإن المسببات تصبح متنوعة.

بلد تعطلت فيه الحياة، انتشرت الجماعات المسلحة من جديد، ظهرت القاعدة رافعة شعاراتها داخل الساحات، كثرت الاغتيالات. وصل الأمر إلى تجرؤ القاعدة على القيام بعمليات إرهابية منظمة داخل العاصمة صنعاء، وفي أهم مركز حيوي ودائرة أمنية وعسكرية.

كل ذلك كان جزءاً من عملية إغلاق البلد على نفسه، وقطع كل خطوط التواصل مع العالم الخارجي.

ثم تبعه هجرة رأس المال، لأنه بطبعه جبان ويحتاج إلى بيئة آمنة، لكن آمنة هذه لم تعد موجودة إلا في رأس السلطة آنذاك التي كان يقودها با سندوة وجهاز أمني بدا عاجزًا.

عمران فرحان، مهتم بالشأن الاقتصادي، طرح بأنه وقبل منع الحوثيين التعامل بالعملة القديمة، كان سعر الريال مضطرباً أيضًا، ما يعني أن هناك أسباباً أخرى ساعدت في رفع سعر تحويل العملة.

وهنا يوضح مصطفى نصر أن أسباب التذبذب في سعر العملة مسألة قديمة، تعود إلى الحرب ذاتها واستنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية خلال سنوات الحرب الأولى.

بالإضافة إلى إتاحة المجال لتجار المشتقات النفطية بشراء العملات الصعبة من السوق، تلتها تداعيات سلبية كبيرة تمثلت في توقف صادرات النفط والغاز.

تبعه تراجع تحويلات المغتربين، ومواجهة الطلب لتغطية النفقات التشغيلية للدولة من خلال طباعة كمية كبيرة من العملة.

التأكيد على الحلول

لا توجد مشكلة إلا ولها حل، هكذا يقول محاضرو التنمية البشرية، أو على الأقل ما تقوله “الفرضيات” في التعاطي مع المشكلات.

أحد هذه الحلول، كما يقول مصطفى نصر، وقف طباعة العملة، ووضع ضوابط للسياسة النقدية وعلى رأسها كمية النقود في السوق، طالما وأن العملة ما زالت موحدة.

لأن اتخاذ القرار بعدم التعامل بالفئات ذات الطبعة الجديدة خلق عملتين بقيمتين مختلفتين، وبالتالي في هذه الحالة نشأت فكرة سعر التحويل المتصاعدة.

ومن هنا، والحديث لمصطفى، فإن الفارق في السعر لا يخدم “المواطن” طالما أنه لا ينعكس بشكل مباشر وواضح على أسعار السلع.

في هذا الصدد أكد فاروق الكمالي، على أن قيام الحكومة بطباعة عملة جديدة ضرورة وليس ترفاً. وإلا كيف سيتم تغطية النفقات، ودفع الرواتب بدون طباعة، في ظل تراجع عائدات النفط وتدني الإيرادات العامة.

مقابل ذلك، بحسب فاروق، كان على سلطات الحوثي أن تسحب النقود “التالفة” من السوق، وهي كمية كبيرة تقدر بمليارات الريالات.

مؤكدًا بأن تأثير الطباعة على العملة محدود جدًا، وتظل الطباعة لتغطية النفقات، وتوفير الخدمات ودفع الرواتب أفضل من تجميد الإنفاق وتعطيل حركة الاقتصاد.

حجم العملة المطبوعة

بحسب التقارير الاقتصادية تقدر حجم العملة المطبوعة من قبل حكومة الشرعية منذ مطلع العام 2016 بحوالى (ترليون و700 مليار ريال)، فيما يطرح البعض أنها تقترب من ال3 ترليونات، لكن الرقم الأخير مبالغ فيه على ما يبدو.

عبد الوهاب حمود، ناشط ومتابع، ذكر بأن الحوثيين يحاولون الترويج لمشكله هم السبب فيها، ويقومون في نفس الوقت بتحميل الصرافين المسؤولية.

وهنا يتساءل: ما دخل الصراف الذي يقوم الحوثي بأخذ 30% من قيمة ما يصله من حوالات من عدن؟

ثم يذهب إلى أن هذا الفارق يتحول إلى خزينة الحوثي، أو بالأصح جيبه.

يعود ليؤكد أن الفارق بين سعر الصرف في (عدن وصنعاء) أسلوب آخر ينهب به الحوثي الناس، لأنهم يشترون دولار.

يقول، لكن أنت بصفتك كمواطن لو أردت دولاراً للاستيراد وفتح اعتمادات، لا أحد يبيع لك بالسعر المخفض الذي يتم الحديث عنه.

أما عبد الحافظ معجب، إعلامي يتبع جماعة الحوثي، فيقول مدافعًا عن قرار منع تداول العملة الجديدة من قبل الحوثي: رغم إقرار مصطفى نصر بأن طباعة عملة جديدة خطأ، ومعرفته أن لهذه الخطوة تداعيات كبيرة على اقتصاد البلد؛ لكنه يريد من الحوثيين تحمل مسؤوليتهم في المشاركة في الخطأ، والتعامل بعملة لا تساوي الحبر الذي فيها.

رغم كل شيء

يعتقد البعض بعد كل هذا الصراع، وتعطل الحياة بصورة شبه كاملة في اليمن، وتوسع رقعة الحرب، وزيادة أعداد الفقراء والنازحين داخل وخارج الوطن، وتداعيات الأمطار الشديدة التي عمت معظم محافظات الجمهورية، أن الأمور لا تزال قابلة للتعافي.

بمعنى أنه ما زال بالإمكان التغلب على حالات الفقر التي وصلت إلى 85% أوساط السكان، وتجاوز جائحة كورونا، وإعادة توزيع المعونات، وإصلاح بعض ما دمر؛ في حال تعافى الاقتصاد بالتوازي مع عملية تصالح سياسي.

وإن بدت التقارير التي تنشر وترفع يوميًا عن الوضع في اليمن غير مطمئنة، خاصة أنه لا انفراجة تبدو على المدى المنظور، ولا أفق أيضًا.

ولعل مشكلة “خزان صافر” العائم في البحر الأحمر دون أي صيانة منذ العام 2014 بسعة مليون و240 ألف برميل والذي يوشك على الانفجار؛ دليل آخر على تصلب المواقف واستغلالها للضغط أكثر من أجل الحصول على مكاسب سياسية، وتحديدًا من قبل مليشيا الحوثي ذراع إيران في اليمن.

وهو ما يشكل تهديدًا واضحاً على البيئة البحرية والبرية في اليمن والدول المطلة على البحر الأحمر والبحر العربي، بحسب التقارير وتحذيرات المنظمات الدولية والمحلية.

شارك