مقتل 300 مدني وتهجير 30 ألف أسرة في الحديدة منذ ستوكهولم | جماعة الحوثي والاتفاقية… من شفا الانهيار إلى التعنت وإعادة التموضع

مقتل 300 مدني وتهجير 30 ألف أسرة في الحديدة منذ ستوكهولم | جماعة الحوثي والاتفاقية… من شفا الانهيار إلى التعنت وإعادة التموضع

خلود الحلالي

شكلت اتفاقية ستوكهولم التي تم التوقيع عليها في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018، بصيص أمل لملايين اليمنيين الذين هم على وشك مواجهة المجاعة، إلا أن هذه الآمال ما لبثت حتى انخفضت بشكلٍ مؤسف.

ومنذ الإعلان عن اتفاق ستوكهولم، دأبت جماعة الحوثي على إفشال جميع بنود الاتفاق عبر سلسلة من الخروقات ورفضها الالتزام بتعهداتها، ابتداء من تسليم موانئ الحديدة والانسحاب من المدينة، وراوغت للتنصل من التزاماتها في ما يتعلق بملف الأسرى والمختطفين في سجونها، وأفشلت تفاهمات الأردن والتي أعقبت اتفاق السويد، وكذلك الحال بالنسبة لفك الحصار عن مدينة تعز.

ملف الحديدة كان أبرز مؤشرات التعنت الحوثي والإصرار على إفشال أي جهود للسلام من خلال ارتكابها أكثر من 11000 خرق، وقتلت حوالى 300 مدني وأصابت الآلاف بجروح، منذ اتفاق ستوكهولم في ديسمبر الماضي بحسب ما أفاد به محافظ الحديدة الحسن طاهر المعين من قبل الشرعية. المحافظ الحسن طاهر ذكر أن 30 ألف أسرة نزحت من الحديدة، وتضررت آلاف المنازل والمدارس والمساجد، ولم توقف جماعة الحوثي أعمالها العسكرية وإطلاقها الصواريخ والمقذوفات على عدد من مديريات محافظة الحديدة.

انتهاكات الحوثيين لم تتوقف

كذلك أكد العميد صادق دويد الناطق باسم المقاومة الوطنية (حراس الجمهورية) في تصريح لـ “اندبندنت عربية”، أن انتهاكات جماعة الحوثي للاتفاق لم تتوقف يوماً واحداً، وجرائمها بحق المدنيين متواصلة بشكل شبه يومي من خلال قذائف المدفعية والقصف بمختلف الأسلحة الرشاشة وسلاح القناصة على الأحياء السكنية المحررة داخل مدينة الحديدة، وكذلك القصف المتعمد على الأحياء السكنية والشوارع العامة في مدينتي حيس والتحيتا وقرى الفازة والجبلية في التحيتا، وسلسلة قرى مأهولة بالسكان في مديرية الدريهمي، سقط فيها المئات قتلى وجرحى من المواطنين معظمهم نساء وأطفال ومعظم جرائمهم موثقة، كما استهدفت أكثر من 10 مرات مجمع إخوان ثابت الصناعي والتجاري في مدينة الحديدة.

وعلى الرغم من تقدمها السريع على طول الشريط الساحلي الغربي ووصولها إلى شوارع مدينة الحديدة، وكانت على بعد أميال من الميناء الرئيسي للبلاد، امتثلت القوات المشتركة لاتفاق ستوكهولم لإفساح المجال أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة بحسب ما أكد العميد صادق دويد الذي أضاف “التزام القوات المشتركة بالاتفاق على الرغم من إدراكها من خلال التاريخ الأسود لهذه الجماعة أنها لن تلتزم، ولن تنفذ الاتفاق، كما أنها لم تلتزم بقرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار في مدينة ومحافظة الحديدة”.

في المقابل، يؤكد مراقبون سياسيون أن الجماعة الحوثية استغلت التزام القوات المشتركة باتفاق ستوكهولم في إعادة ترتيب صفوفها في الساحل الغربي وحفر شبكات واسعة من الإنفاق الملغومة الخنادق، وتشييد متاريس جديدة في كل الجبهات بمدينة ومحافظة الحديدة، واستقدام دفعات كبيرة من المقاتلين والدفع بهم إلى مواقعها في خطوط التماس وهي أعمال تدل إلى أنها تصر على نسف الاتفاق.

لا تقدم

وعلى مدى الأشهر الماضية لم يحرز الاتفاق أي تقدم، باستثناء تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لوضع آلية تنفيذية لوقف إطلاق النار وتنفيذ بقية بنود الاتفاق، بينما تعقدت الأوضاع في الحديدة، أكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ديسمبر الماضي بين الحكومة اليمنية والحوثيين.

كما أكد العميد دويد أن الاتفاق وقرار مجلس الأمن لم يوقفا الجرائم الحوثية، بل لم يحدا من جرائم هذه الجماعة، وقال دويد “فضلاً عن جرائمها بحق المدنيين، شنت جماعة الحوثي ولا تزال تشن عمليات هجومية وقصفاً متواصلاً على مواقع القوات المشتركة داخل مدينة الحديدة وفي مديريات الدريهمي والتحيتا والجاح وحيس، بل إن انتهاكاتها بلغت حد استهداف مقر الفريق الحكومي في لجنة تنسيق أعادت الانتشار مرات عدة”.

في المقابل، دافع وزير الخارجية لحكومة الحوثي هشام شرف عن الاتفاق بتأكيده أنه لم يفشل، وقال “ما زال هناك أمل أن ينظر الجميع لمصلحة الشعب اليمني في التوصل إلى بدايات التسوية السياسية المنشودة”، وأضاف الوزير شرف لـ “اندبندنت عربية” أن هذا الاتفاق يستدعي تنازلات عدة من أطراف الصراع وعدم النظر للجانب المادي في الموضوع بالنسبة لمن يتوقعون رفع الدعم المادي والعسكري عنهم.

المصالحة… والتنازلات

وبينما قال شرف إن “المصالحة في النهاية تستدعي تنازلات من مختلف الأطراف لتجنيب اليمن وشعبه ويلات استمرار الحروب الممولة من جهات لا تهمها مصلحة اليمن وشعبه وعودته لبر الأمان”، رأى مراقبون سياسيون أن جماعة الحوثي تواصل تعنتها ومراوغتها ولم تقدم أي تنازلات في أي من بنود اتفاق ستوكهولم، إلا أن شرف عاد ليدفع التهمة عن جماعة الحوثي بقوله “صنعاء لا تراوغ في تنفيذ الاتفاق أبداً، ويعرف الجميع أن تنازلات عدة قدمتها صنعاء رغبة في بداية عملية السلام وتجنيب الحديدة مصير مناطق أصابها الهدم والتدمير”.

وطالب من سماه بالطرف الآخر (في إشارة إلى الشرعية) أن تقدم تنازلات وتبدي حسن النية في إمكانية جلوس الأطراف المتحاربة على طاولة المفاوضات، وتنسى حسابات وأجندات دول لا تهمها اليمن بل تريد تفتيته وإضعافه.

لا داع لتبادل الاتهامات

وقال الوزير الحوثي “من وجهة نظري لا يزال هناك أمل كبير في نجاح الاتفاق الذي سيمهد للسلام، لكنه أكد أن جماعة الحوثي لن ترضى بسلام أقرب للاستسلام”. وحول الخروقات الحوثية المستمرة في مدينة الحديدة وأريافها، قال الوزير الحوثي “طالما هناك فريق مراقبة أممي في الحديدة يراقب تطورات الأوضاع وتنفيذ الاتفاق، فهذا الفريق يعرف جيداً من يعمل باتجاه تنفيذ الاتفاق ولا داع لتبادل الاتهامات بل لإبداء حسن النوايا والالتفات لما آل عليه حال الشعب اليمني”.

ومنذ توقيع الاتفاق، شكلت الأمم المتحدة فريقاً أممياً لمراقبة تنفيذ الاتفاق تعاقب على رئاسته ثلاثة جنرالات ابتداء بالجنرال كاميرت والذي قدم استقالته احتجاجاً على التعنت الحوثي ومحاولة تنفيذ انسحاب هزلي في موانئ الحديدة من جانب واحد، ليأتي بعده الجنرال لوليسغارد الذي شهدت فترة رئاسته مرونة وتعاملاً سلبياً مع الجماعة بترحيبه بالانسحاب الحوثي الصوري من موانئ الحديدة، وهو ما رفضه الجانب الحكومي، قبل أن يتم تعيين المتقاعد الهندي أبهجييت هوجا.

واعتبر مراقبون سياسيون أن ترحيب الأمم المتحدة بمسرحية الانسحاب الأحادي وتعاملها مع الخروقات الحوثية المستمرة ومماطلتها عن تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق السويد، يضع أكثر من علامة استفهام حول الدور الأممي لإطالة أمد الحرب وإطلاق يد الجماعة الحوثية للعبث في مدينة الحديدة والتحكم بمصير ملايين المواطنين في المدينة، وكأن الاتفاق جاء لينقذ الجماعة من الانهيار الوشيك وفقدان مدينة الحديدة.

انسداد الأفق

وقال العميد دويد إن التغيير المستمر في رئاسة الفريق الأممي دليل على انسداد الأفق أمام الجهود الأممية لإنهاء الحرب وإحلال السلام جراء تعنت الجماعة الحوثية ورفضها تنفيذ بنود الاتفاق، وأكد أن جوهر اتفاق ستوكهولم يتمثل في انسحاب الجماعة الحوثية من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة، الحديدة والصليف وراس عيسى، وإفساح المجال للعمل الإنساني.

أضاف “في يناير (كانون الثاني) الماضي، حاولت الجماعة الحوثية المدعومة إيرانياً التلاعب بالأمم المتحدة عبر تسليم ميناء الحديدة إلى عناصرها متخفين في ملابس مدنية، ورفضها الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، رئيس لجنة تنسيق إعادة الانتشار حينها، ليأتي بعده الجنرال مايكل لوليسغارد الذي وصلت جهوده إلى تحديد آليات الرقابة على إعادة الانتشار والتحقق من هوية أفراد قوات خفر السواحل الذين انتشروا في الموانئ الثلاثة وتسليم خرائط الألغام التي زرعتها الجماعة الحوثية في مدينة الحديدة ومحيطها”.

أضاف “حاولت الجماعة الحوثية التلاعب مجدداً مع لوليسيغارد، وأعلنت عما سمته الانسحاب الأحادي تنفيذاً للخطوة الأولى من إعادة الانتشار، ولكن سرعان ما تبين أن هذه ليست سوى مسرحية هزلية وتحايل جديد على بعثة المراقبين الدوليين”، وأكد أنه، ومع مباشرة رئيس اللجنة الجديد ها هي الجماعة الحوثية تصعّد من انتهاكاتها للاتفاق في سعي منها لإحباط جهوده الرامية لإنقاذ الاتفاق.

آثار كارثية

السلوك الحوثي المراوغ والمتعنت في الحديدة ترك آثاراً كارثية وفاقم من الأوضاع الإنسانية في الحديدة، واتفاق ستوكهولم صمم من أجل إنهائها، إذ إن سكان الحديدة كغيرهم من المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، من ممارسات التجنيد الإجباري، والزج بأبنائها في معارك خاسرة، وإجبار المواطنين والتجار على دفع مبالغ مالية طائلة لدعم مجهودها الحربي ضد الشعب اليمني واستمرار النزوح من دون توقف.

التلاعب الحوثي والمماطلة لم يتوقفا على ملف الحديدة حيث استمر الحوثيون في المراوغة في تنفيذ التزاماتها في ما يتعلق ببند الأسرى الذي نص على إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمفقودين والمحتجزين تعسفياً، والمخفيين قسراً والموضوعين تحت الإقامة الجبرية، غير أن الجماعة الحوثية تماطل وتسعى لعرقلة اتفاق الأسرى الذي تم التوقيع عليه سابقاً، وأعلن عنه في أولى أيام مفاوضات السويد، ما يؤكد أن اتفاق ستوكهولم في حكم الفاشل.

شارك