اسرار سياسية | الغارقون في التُّخمة… شكر الله سعيكم!

الغارقون في التُّخمة… شكر الله سعيكم!

كامل الخوداني :

لماذا تحولوا إلى خنجر يطعن اليمن واليمنيين في ظهورهم؟

كيف مرت عليهم كل هذه السنون ولم تحن أفئدتهم لنسيم وهواء بلدهم وقراهم ومدنهم؟

كيف سمحوا لأنفسهم حمل راية الحرية والكرامة بينما يتقبلون الحياة كل هذه السنوات دون حرية وكرامة وبكل سعادة؟

كيف حملوا في مسامات جلودهم كل هذا الجبن؟

كيف تحولوا إلى أموات بقايا آدمية ومجرد مسوخ بشرية تلهث خلف المناصب والملحقيات الدبلوماسية، وطلبات اللجوء السياسي، والفيزا كارد، بينما يبحث خمسة وعشرون مليون يمني عن كسرة خبز.. يكتمون أحزانهم وصراخهم ووجعهم وأنينهم؟!

أين ذهبوا، وأين ذهب كل ذلك الهيلمان الذي كانوا يحيطون أنفسهم به؟ لقد اختفى كما اختفوا هم من حياة الناس.. كانت قوتهم مجرد وهْمٍ، وهيلمانهم مجرد هيلمان كاذب لإرعاب المواطن المسكين للتفاخر أمام أبناء عمومتهم، وأبناء مناطقهم، وأبناء قبائلهم… للنخيط أمام جندي في نقطة تفتيش أو رجل مرور يقف منذ ساعات تحت أشعة الشمس لتنظيم سير عشوائيتهم وعنجهيتهم غير المكترثة لأبسط قوانين النظام.. وحينما أشهر مجموعة من الأطفال أسلحتهم في وجوههم، بل قبل حتى أن يشهروا أسلحتهم أطلقوا أقدامهم للريح هاربين تاركين خلفهم ذلك الهيلمان الكاذب، مترقبين ومنتظرين المواطن البسيط، الذي لا يجد قوت يومه، مواجهة ما عجزوا هم عن مواجهته حتى بعد أن أصبحوا يمتلكون كل شيء.. كل شيء.. إلا الإحساس والقضية الحقيقية.

أين ذهبوا وأين هم مجرد صور ملونة بأجساد مترهلة على شاشات التلفزيون.

كيف يستطيعون الابتسامة وملايين المواطنين اليمنيين محرومون منها لا يستطيعون الابتسامة من شدة الوجع.. كيف تستسيغ أجسادهم المتخمة من كل أصناف الطعام التمتع بها بينما هناك ملايين من الناس باليمن وفي مناطقهم وحاراتهم وقراهم ومدنهم وقبايلهم لا يجدون ما يأكلون؟!

أتذكر جاري الطيب في حارة القاع كيف كان يرتدي كل صباح ثوبه الأبيض النظيف وشاله الملون يخرج من منزله كل صباح لتوزيع الابتسامات كما تعود، بينما يخفي خلف هذه الثياب النظيفة والابتسامة الكاذبة مرارته وحاجته وفاقته، وهو من ينتمي لأسرة كريمة عاش حياته كلها في ستر، وفي ليلة وضحاها لم يعد يجد لا هو ولا أولاده ما يأكلون.

أين ذهبوا.. تشردوا في مختلف العواصم والمدن يقاتلون لاستعادة بلادهم في صفحات الفيس بوك وتويتر كل مساء، بينما خانة رسائلهم ممتلئة بالأحاديث الودية مع قيادات ومشرفي الحوثي!! إما للحفاظ على ممتلكاتهم وأموالهم أو لعقد صفقات بيع وشراء، وكل صباح يتجه نصفهم لمكاتب العقارات بحثاً عن شقق وفلل تمليك، والنصف الآخر يتجهون لمكاتب استشارية لإعداد دراسات جدوى مشاريع ومحلات تجارية وشركات.. حتى مجرد الحديث عن قضيتهم في هذه العواصم والمدن والدول المشردين بها لا يقومون بها… هل يمتلك هولاء القوم قضية؟! لا أدري.. ولا أدري أي قضية يحملون، بينما مجموعة ناشطين حوثيين في كل دولة تحولوا إلى لوحات إعلانية ومنابر لقضيتهم ومشروعهم.

في حديث جانبي لي مع دبلوماسي أجنبي عن عدم منح بعض الناشطين والقانونيين والصحفيين والمنظمات المقاومين للحوثي ومشروعه تأشيرات دخول لعرض قضيتهم وكشف ما تقوم به جماعة الحوثي من انتهاكات وجرائم، بينما بالمقابل يتم منح الناشطين الحوثيين تأشيرات الدخول؟

ما الذي أقوله أنا يا الله.. أصابتني إجابته ورده بالذهول والصدمة!! قال لي كنا من قبل نمنح الناشطين والصحفيين والمنظمات وحتى قيادات الشرعية، مدنية وعسكرية، تأشيرات الدخول لحضور الفعاليات يقدم 99% منهم حق اللجوء رافضين العودة، بينما يعود جميع ناشطي وحقوقي الحوثي بعد انتهاء فعاليتهم.. لقد جاؤوا هنا لقضية يتحدثون عنها، وجاء معارضوهم هنا لطلب اللجوء. والصدمة أن هناك من هم قيادات عليا ومسئولون أصحاب درجات عليا..

يالله كيف أهنتم اليمن وأهنتم قضيتها وأهنتم ملايين المتعبين المعولين عليكم إنقاذهم، بينما قضيتكم إنقاذ أنفسكم (!!!)

إنها اليمن.. هذا البلد المطحون، وهذا المواطن المتعب الذي امتصصتم دمه ولحمه وشحمه وحتى قضيته التي تصدرتم مشهد حملها والدفاع عنها سلبتموه إياها حتى حولتموها إلى قضية لا قيمة لها لدى الداخل والخارج مجرد قضية استرزاق ولصوصية وسمسرة معاناه وتجارة حروب لتكوين امبراطواريات مالية للمراحل القادمة على حساب قطرات دم ودموع الملايين..

سوف تكون هناك مرحلة قادمة، لكنها لن تكون بكم.. أقسم لكم لن تكون بكم، لو وقف العالم بأسره إلى جانبكم لن تكون بكم ولن تكونوا في مشهدها.. سوف تكون بذلك الجندي الذي يضحي بروحه ودمه لأجل قضيته.. بذلك المواطن المتعب الذي لا يجد قوت يومه ويقاوم.. بأولئك الملتحفين السماء المفترشين الأرض.. بالجبهات التي تعمل مشاريعكم الضيقة وأحقادكم واستماتتكم جاهدة للقضاء عليها خدمة لمشاريع دول أخرى، بينما هي آخر ما يرمي الناس أملهم عليه.. سوف تكون بهم، أما أنتم فلن تكونوا إلا مجموعة لصوص أغنياء طفرة، محبوسين في غرف أحقادكم وسقوطكم، ومجرد صور وأسماء سامجة في صفحات وشاشات بعض المنابر الإعلامية التي تتغنى وتشيد بإنجازاتكم الكاذبة، وبطولاتكم المزيفة، ووطنيتكم الساقطة، أما لدى المواطن والوطن لستم شيئاً.. مجرد لا شيء بعد أن فشلتم في تقديم موقف واحد يخلدكم كرجال وليس فقط كأبطال.

أحاول جاهداً المكابرة.. لا أستطيع.. هذه الدمعة التي تسيل من شدة الألم ليست مجرد دمعة عابرة.. ليست دمعتي أنا، بل دمعة خمسة وعشرين مليون مواطن يمني يستغيثون فلا يُغاثون.. يصرخون فلا يُسمعون.. وبلد ينهار ويتمزق، بل انهار وتمزق وتدمر، بينما أبناؤه منقسمون كل فئة منهم تعمل لمشروع دولة أخرى ترى اليمن امتداداً لنفوذها بالمنطقة لا أقل ولا أكثر..

لا أحد يقاتل من أجل اليمن.. جميعهم كاذبون، من يقاتل من أجل اليمن هم اولئك المتعبون بالداخل: المؤتمري والإصلاحي والسلفي والاشتراكي والناصري والحراكي والمستقل صاحب المدينة وابن القبيلة من لا يجدون قوت يومهم.. ورغم هذا يقفون صامدين أمام آلة الموت الحوثية ومشروعها وإغراءاتها وعروضها متمسكين بمبادئهم وثوابتهم يرددون كل صباح النشيد الوطني ويتغنون بحب اليمن.. لم يستسلموا لصرخة الحوثي ولا لتهديداته ولا لترهيبه.. صامدون رغم الوجع والحاجة والفاقة، يثقون كل الثقه بأن شمس الحرية سوف تبزغ وينجلي ظلام هذه العصابة الجاثمة على صدورهم.

لم ولن يكون الحوثيون أقوياء.. لصوصيتكم وجبنكم وعدم إيمانكم بقضيتكم وأحقادكم ومشاريعكم الخاصة هي مصدر قوتهم..

قال لي أحد المواطنين، وهو يحدثني عن مدى معاناتهم وما يرتكبه الحوثيون من جرائم بحق الناس والمواطنين، وكيف يسعون جاهدين لطمس اليمن والهوية اليمنية، أخبرهم بأننا سوف نحرر بلدنا نحن المتعبين المطحونين الذين لا نجد قوت يومنا.. سوف نحرر بلدنا، أما هم فشكر الله سعيهم..

شارك