اسرار | شبكة إخوانية تضع حكومة دولة خليجية أمام مواقف مصيرية في عمليات أقرب إلى الحوثيين..!؟

شبكة إخوانية تضع حكومة دولة خليجية أمام مواقف مصيرية في عمليات أقرب إلى الحوثيين..!؟

 

محمد أبو الفضل *

لطالما سعت جماعة الإخوان في الكويت إلى الترويج لصورة وهمية لنفسها على أساس خصوصيتها واختلافها عن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وهو ما جعلها تُكسب عناصرَها امتيازات مقارنة بغيرها من دول المنطقة، مستفيدة من تجربة سياسية بدت ناضجة عربيا لتصل إلى البرلمان. لكن القناع سقط عندما تمّ الكشف عن شبكة لإخوان مصر تتحرك من الأراضي الكويتية في يوليو الماضي، ووقع ترحيل أعضائها، واتضح بموجبها أن إخوان الكويت لم يلتزموا بحياد الحكومة الكويتية في قضايا إقليمية كوقوفهم مع الدوحة ضد الرياض، وتماثل مواقفهم بشأن الأزمة في اليمن مع مواقف الحوثيين، ما كشف أن طموح إخوان الكويت لا يقف عند دولة بعينها.

أزاح الكشف في يوليو الماضي عن شبكة لإخوان مصر تتحرك من الأراضي الكويتية ستار الخصوصية الذي كان يتدثر به إخوان الكويت. وفككت عملية ترحيل أعضاء محكوم عليهم غيابيا من القضاء المصري، وتصريحات لعباس قباري، المتحدث الإعلامي باسم جماعة الإخوان المسلمين، ردا على ذلك، جدارا وهميا رسمه الإخوان للفصل بين جماعة الداخل وإخوان الخارج.

خرقت جماعة الإخوان المسلمين الكثير من قواعد اللعبة المستقرة في دولة الكويت، ومنحت عناصرها مبكرا مزايا مقارنة بغيرهم في بلدان أخرى. واستفاد المنتسبون للجماعة من تجربة سياسية بدت ناضجة عربيا، واحتلوا العديد من مقاعد البرلمان (مجلس الأمة) على مدار عقود ماضية. وتمكنت الجماعة التي حاولت الاحتفاظ بمسافة عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من توظيف تيار الحداثة بالكويت في التمدد والتوغل على مستويات عدة.

لم يتورط إخوان الكويت، أو أعضاء مجلس الأمة المحسوبون على الجماعة، مباشرة في الكثير من التفاصيل السياسية التي تهم أقرانهم في أي دولة أخرى خلال السنوات الماضية، والتي تكشفت معها حقيقة الجماعة في مصر وألاعيب التنظيم الدولي للإخوان، حتى جاء الكشف عن شبكة لإخوان مصر تتحرك من الأراضي الكويتية. وتم تسليم نحو 8 عناصر للقاهرة من أصل حوالي 300 أعلن القبض عليهم.

صمت إخوان مصر على المستوى الرسمي، وجلبت القضية تراشقات محدودة اقتصرت على النيل من القاهرة، أملا في إيجاد مخرج سياسي أو قانوني مع حكومة الكويت. ولم يخض التنظيم الدولي للإخوان في تفاصيل القضية مباشرة. وتركت المسألة لأعضاء نواب البرلمان لجس النبض وحل الأزمة وديا مع حكومتهم، التي أصرت على تجفيف أي منابع لإرهاب الإخوان أو غيره. وقامت بتسليم دفعة ثانية مكونة من ثلاثة أفراد إلى القاهرة في نهاية سبتمبر الماضي.

ازداد الأمر تعقيدا مع توثيق أطر التعاون الأمني بين القاهرة والكويت. وقام رئيس جهاز المخابرات العامة في مصر، اللواء عباس كامل، بزيارة للكويت بعد الكشف عن الشبكة الإرهابية السابقة. وسلّم خلالها قوائم لمواطنين يتحركون من الكويت لمد أعوانهم في مصر بالأموال والحض على العنف والإرهاب ضمن خطة محكمة، بما يعني أن حبات المسبحة أخذ عقدها ينفرط في الكويت، وربما تختل توازناتها القديمة.

دفع عدم ليونة الحكومة الكويتية إخوان مصر إلى الدخول على الخط بشكل معلن وصريح، وتعاملوا مع الموقف على أنه معركة تتعلق بصورة كيان استطاع الحفاظ على مصالحه فترة طويلة في الكويت بقليل من الصدام، ونجح في القفز على كثير من الأشواك، وتجاوز جملة من الهزات السياسية العنيفة.

روابط سياسية وأهداف خفية

اعترفت الجماعة في 2 أكتوبر، في بيان أصدره المتحدث باسمها عباس قباري، بأن الأشخاص الذين جرى القبض عليهم في الكويت وترحيلهم إلى مصر ينتمون إليها، وصدرت ضدهم أحكام قضائية، واتهمت السلطات الكويتية بأنها تخلت عن حيادها، وحمّلتها المسؤولية عن مصير عناصرها، بل طالبتها بعدم توقيفهم على أراضيها وتسليمهم للقاهرة، داعية إلى السماح لهم بمغادرة الكويت إلى أي دولة أخرى وبشكل آمن.

عندما استشعرت عناصر الجماعة بالقلق بعد القبض على الشبكة الإرهابية في يوليو الماضي، ورأت تصميم السلطات الأمنية على تجفيف منابع الإرهابيين في الكويت، وفّرت الجماعة الأم لأعضائها ملاذات آمنة لاستقبالهم في تركيا وقطر وماليزيا وغيرها. ونجح البعض في الفرار من الكويت، وألقي القبض على آخرين، واضطرت فئة ثالثة إلى الكمون والاختفاء حتى يمكن حل الأزمة أو الهروب من جحيم العواصف الأمنية والسياسية.

حاول بيان الجماعة، الذي أصدره ما يسمى بجناح الشباب داخلها، ويعبر عنه إعلاميا قباري، إحراج الحكومة الكويتية، من زاوية أن ما تقوم به السلطات في الوقت الراهن “بالتخلي عن سياسة الحياد تجاه القضايا الخلافية بالمنطقة، يضعها تحت المسؤولية السياسية عن مصير المصريين الذين تقوم بتسليمهم إلى السلطات المصرية”، في إشارة توحي في الظاهر بالخوف على حياتهم، غير أن مضمونها لا يخلو من حسابات تتعلق باعترافات قد يدلي بها هؤلاء ويمكن أن تسبب حرجا لدولة الكويت.

بصرف النظر عن رسالة التشكيك التي تنطوي عليها صياغة الإخواني عباس قباري، فهي تحمل أيضا معاني بالتهديد للحكومة الكويتية، إذا أخلّت بالمعادلة التاريخية المستقرة، حيث اعتبرت الجماعة في بيان أن “الحركة الإسلامية تشكلُ جزءا هاما من المشهد السياسي الكويتي، وضربت نموذجا عمليا للمنهج الإصلاحي الوسطي والرسالة التنموية التي تقدمها الحركة، وهو ما يفقد السلطات الكويتية أي مبرر يدفعها لتسليم المعارضين المصريين المنتمين للحركة الإسلامية تحت اتهامات معلوم للكافة هزليتها وكذبها”.

يرمي البيان في هذه الجزئية إلى الضغط على الحكومة، والربط الفاضح بين إخوان الكويت وأقرانهم في الخارج. وحض الفريق الأول على الانسجام التام مع الثاني، ونبذ الحساسية المفرطة التي كان يتعامل بها منذ زمن، وهو ما يقود إلى خروج المشهد الإسلامي في الكويت من دائرة الالتباس إلى الوضوح.

يشير الإصرار على الربط بين التنظيم الدولي للجماعة وتنظيم الإخوان في الكويت المنخرط أساسا في المشهد السياسي، إلى أن هناك عملا سريا هداما يقوم به فرع الكويت بالتعاون مع التنظيم الدولي ربما تظهر معالمه مع ما يتوالى من تداعيات الشبكة الإرهابية، لأن هناك تبادل معلومات استخباراتيّا يتم بين القاهرة والكويت بشأن ذيول وروافد هذه الشبكة، والتي تحمل في طياتها أبعادا إقليمية، فالتهم التي تلاحق أعضاءها تنسحب على كثيرين في دول أخرى.

يفرض هذا الأمر توسيع التعاون والتنسيق المشترك. ويحتم على الكويت أن تكون قريبة مما يجري من تداول معلوماتي بين مصر وحلفائها في الخليج، السعودية والإمارات والبحرين، غير أن ذلك يستوجب اتخاذ إجراءات صارمة حيال ملف مكافحة الإرهاب في المنطقة والدول التي تدعمه وتفتح لعناصره أبوابها.

سعى إخوان الكويت إلى تمييز أنفسهم عن التنظيم الدولي للإخوان في بعض القضايا الإقليمية، ووقفوا ضد إيران في خلافها السابق مع العراق، والمستمر مع كل من السعودية والبحرين. لكن، بدأ التمايز يتلاشى مؤخرا، ووقفوا صراحة مع الدوحة ضد الرياض، ولم يلتزموا بسياسة الحكومة في موقفها المحايد. وبدت مواقفهم أقرب إلى الحوثيين، المدعومين من إيران، وضد الحكومة الشرعية في اليمن.

أمام هذا الوضع، تعتزم الحكومة الكويتية التخلي عما عرفت به من حذر وتريث وليونة في تعاملها مع الحركة الإسلامية. وأضحت أقرب من أي وقت مضى للدخول في مواجهة مع رأس الحربة، جماعة الإخوان، ضمن السياق الإقليمي والدولي الذي اكتشف أنها مسؤولة عن جزء كبير من العنف في المنطقة.

وتراعي السلطات الكويتية أنها أمام مأزق سياسي خطير بعد تأكدها من أن طموح الجماعة بلا سقف، ولا يتوقف عند دولة بعينها، والانفتاح الزائد عليها سيخل بقواعد التجربة الرصينة في الكويت. وهو ما يفرض عليها عدم التهاون، واللجوء إلى الحسم، والصمود أمام الانتقادات المقبلة من الإخوان في الداخل وحلفائهم في الخارج.

وقد وجّهت عناصر إخوانية مقيمة في تركيا مؤخرا، استغاثات لقادة الجماعة للتدخل لدى السلطات الكويتية ومنع استمرار ترحيل أعضاء الجماعة إلى مصر، والتلويح بشن حملات عالمية عبر منظمات حقوقية دولية للضغط على الحكومة الكويتية. ما يعني أن فصول شبكة الإخوان متوقع أن تتوالى خلال المرحلة المقبلة.

نقلة نوعية كويتية

تفاعلت أوساط سياسية في الكويت مع البيان الإخواني، وما حمله من إشارات وتلميحات سياسية، فقد بدا لكثيرين تدخلا مباشرا في شؤون سيادة الكويت، وتأكيده من حيث يدري أو لا يدري، أن هناك خلية للإخوان في الكويت، وولوجه للدفاع عن الحركة الإسلامية (الإخوان).

وخاطب النائب الكويتي أحمد الفضل، المرشد العام لجماعة الإخوان، قائلا “نعاهد فضيلة المرشد العام بدعم بيانه والتأكيد عليه والضغط على الحكومة لتلبية ما ورد به، شريطة أن تكف جماعة الإخوان عن إرسال عناصرها القذرة لبلدنا وتدخلهم في شؤوننا وشنهم هجمات سيبرانية متتالية على الدولة المصرية وغيرها من الدول من الأراضي الكويتية”.

وأضاف الفضل “إلى أن يلتزم الإخوان ويكفوا اعتداءاتهم على بلدي والتدخل في شؤونه أو استخدام الكويت منصة للإساءة للدول الأخرى، نقول للمرشد العام (أكل تبن)”، في إشارة تحمل معاني وتشبيهات سلبية كثيرة.

يتوقع أن يؤدي البيان الصدمة الصادر عما يعرف بجناح الشباب في الجماعة، إلى المزيد من التجاذبات، وأن يوقظ سجالات وصدامات قديمة بين التيار الحداثي في الكويت، وبين المتشددين الذين ينتمي إليهم السلفيون والإخوان، لأن الطريقة التي تحدث بها نواب ومتابعون كويتيون تشير إلى أن الملف الذي ظل خامدا مرجح أن يفتح على مصراعيه لكشف عمق الامتدادات، ودور إخوان الكويت في دعم إخوان مصر.

وتمنح مواصلة تصعيد القضية داخل مجلس الأمة الكويتي وخارجه الحكومة غطاء سياسيا مهما، يشجعها على المضي قدما في خطوات عدم التهاون مع الإخوان، وضرورة دفع ثمن باهظ على الأخطاء التي ارتكبت وأساءت إلى الدولة.

وقد استنكر النائب خالد الشطي ما قامت به الجماعة، قائلا “الغريب أن تغفل حركة سياسية عريقة، أبجديات العمل السياسي، فتتبرم من دفع ثمن ما جنته، وأخلت بالترحيب والحفاوة الكويتية، ذلك عندما نقضت العهود ونكصت على المواثيق البديهية، وعمدت لممارسة أنشطة تنال من موقف الكويت تجاه مصر، وتطال العلاقة الإستراتيجية بهذا البلد والشعب عندما لا تحترم شروط الضيافة، وتتخطى حدود الإقامة، وتعتدي على البيوت من حولي بسهام ترميها من بيتي، فمن الطبيعي أن يأتيك الرد المستحق”.

وكشفت تصرفات السلطات الأمنية وتصريحات بعض نواب الكويت، عن إصرار على عدم تكرار ما يمكن وصفه بـ”التهاون” تحت ضغوط تجربة قطعت شوطا في الفضاء الديمقراطي، وهو ما أكدته الردود السلبية على بيان عباس قباري، وهو يعبر عما يسمى بـ”جناح الصقور” في تنظيم الإخوان، ومنسوب إلى زعيمه محمد كمال الذي لقي مصرعه على أيدي أجهزة الأمن المصرية في 4 أكتوبر 2016.

وكان كمال رئيسا للجنة الإدارية العليا لجماعة الإخوان، وعضوا سابقا بمكتب الإرشاد العام، وأحد القادة البارزين للجناح المسلح في الجماعة، وصاحب وثيقة “الإنهاك والإرباك والإفشال” لمواجهة الأمن المصري والتي أصدرها قبل مصرعه بنحو شهرين.

يسعى هذا الجناح إلى السيطرة على التنظيم الأم في مواجهة جناح محمود عزت، ويتبنى الأول أطروحات ثورية وعنيفة هدفها تبوير الأرض أسفل المؤسسات الراسخة في الدولة، ويبدو أن صدور بيان الكويت من قبله غرضه التلويح بأن الكويت إذا لم تتراجع عن خطواتها قد تتعرض لعواقب وخيمة في مجال الخلخلة.

سواء نجح التيار الإخواني المناهض لما يسمى بجناح محمد كمال، أو قبل باللعبة في سياق توزيع الأدوار التي يجيدها الإخوان، فما يجري بين إخوان مصر ونظرائهم في الكويت، يخدم الخطة الجديدة التي يتبناها التنظيم الدولي للعام 2020-2019، والتي تمثل تطورا نوعيا في تفكير الجماعة.

وتعتمد الخطة على التحلي بقدر كبير من المرونة، والاستفادة من المشكلات التي يعاني منها كل بلد عربي في التسلل إلى مفاصله ودون تحديد سقف زمني للحكم. وهو أهم الدروس التي قدمتها التجربة في مصر، حيث تمسك إخوانها بتحديد توقيتات معينة للعودة إلى السلطة، وجميعها أخفقت، بجانب تبني ما تصفه أدبيات الإخوان الجديدة بـ”الطريق الثالث”، ليس على غرار الأفكار الأوروبية التي جرى تداولها قبل نهاية القرن الماضي، لكن على غرار تجربة الرئيس قيس سعيد في تونس، أي التعويل على خبير قانوني معروف بنزاهته ويمكن التفاهم معه على الكثير من المقاطع السياسية.

وأصدر المكتب العام لجماعة الإخوان في مصر في 29 يونيو الماضي بيانا دعا فيه إلى “توحيد القوى الثورية” لإنهاء ما وصفه بـ”الحكم العسكري”، وزعم أن الجماعة قامت بمراجعات وقفت فيها على الأخطاء، مؤكدة أنها ستسمح لأعضائها “بالانخراط في العمل السياسي من خلال الانتشار مع الأحزاب والحركات التي تتقاطع معنا”. ومن هنا يمكن تمهيد التربة للطريق الثالث.

رغم اختلاف تجارب الإخوان، وتباينها النسبي من دولة إلى أخرى، يظل الإطار العام للمفاهيم متقاربا حتى لو تم إنكاره، وهو ما يضع إخوان الكويت تحت المجهر الفترة القادمة، في ظل التغير في تعامل الحكومة معهم واللجوء إلى خشونة محسوبة بعد الكشف عن الشبكة الإرهابية، والتحول اللافت والمحكم في آليات تفكير التنظيم الدولي وتوظيف أجنحة الجماعة الكامنة في جميع الدول لخدمة أهدافه الإستراتيجية.

*كاتب مصري

شارك