اسرار المجتمع | مستشفيات صنعاء… أينما تكونوا يدرككم الإهمال الطبي

مستشفيات صنعاء… أينما تكونوا يدرككم الإهمال الطبي

#اسرار_سياسية – جلال محمد *:
قال الله تعالى: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ)، ويقول الواقع الصحي في اليمن “أينما تكونوا يدرككم الإهمال الطبي”.. ويستمر مسلسل الإهمال الطبي بمستشفياتنا الحكومية والخاصة أيضاً إلا ما ندر.. إهمال واستهتار يأخذ في طياته العشرات بل المئات من الضحايا ممن دفعهم المرض للوقوع تحت أيدي أطباء معدومي الخبرة، محدودي الكفاءة اتخذوا من مهنة الطب سبيلًا لتعريض حياة مرضاهم للخطر بل واعتبارهم “فئران تجارب”.

ومما لا شك فيه ان المنظومة الصحية في اليمن قد قتلها الإهمال وغياب الضمير، خصوصاً في ظل دولة المليشيات التي عينت مواليها وأتباعها في مناصب الإدارات والخدمات دون مراعاة للخبرة والكفاءة، الأمر الذي زاد الطين بِلة ولم يعد أمام المريض سوى انتظار قضاء الله، بعد أن تحولت المستشفيات إلى خرابات يسكنها الفساد، وباتت المستشفيات نذير شؤم للمرضى، داخلها مفقود وخارجها مولود.

فى البداية كشف أحد الأطباء «أ. س» بمستشفى الثورة، لـ”نيوزيمن” أن المستشفى يتردد عليه عدد مهول من المرضى سنوياً، ورغم الضغط الكبير على المستشفى، إلا أنه كان يمتلك امكانات ونخبة من الأطباء الأكفاء في السابق قبل أن يتعرضوا للمضايقات وتردي الوضع الاقتصادي الذي دفع بالأغلب للحصول على عقود عمل خارج اليمن، تضمن لهم حياة كريمة.. وهو الأمر الذي أثر على أداء المستشفى إضافة لسوء الإدارة وعدم توفر أبسط المواد الطبية خصوصاً في الأقسام الضرورية.

ويضيف: قدمت عدد من المنظمات الدولية العقاقير والمستلزمات الطبية للمستشفى، إلا أن المدير المعين من قبل المستشفى قام بتغيير مسؤولي الأقسام والمخازن بأناس محسوبين عليهم وبعضهم يفتقد للخبرة تماماً ولذا تتسرب المواد الطبية ويتم تهريبها وبيعها للمرضى بأسعار مرتفعة رغم أنها أبسط حقوقهم ومن واجب المستشفى توفيرها، فمن العيب أن يدفع المريض قيمة الخيط و”الحقن” في أبسط قسم مثل قسم “الولادة”.

من جانبها أكدت فاطمة محمد، ربة منزل، أنها تجلس ساعات طويلة فى انتظار وصول الدكتور المختص الذي يلغي حضوره أكثر من مرة، وان حضر يتعامل بنزق وكبرياء لا مثيل له، متناسيا ان مهنة الطب رسالة انسانية بالمقام الاول.

وتضيف: المستشفيات الحكومية في ظل جماعة الحوثي ازداد سوءها، ولا يوجد بها أى شيء إيجابى، فهناك عجز واضح فى الأجهزة بالإضافة إلى النقص فى الأدوية التى تكون غير موجودة عادة وتشتريها من الخارج، إضافة إلى سوء معاملة الأطباء والعاملين بالمستشفى لهم، وأشارت إلى أن هناك إهمالًا كبيرًا، مختصرة الامر بكلمة وحيدة “المستشفى ما يقبلها الكلب”.

تكديس المرضى..

انتقل مراسل “نيوزيمن” إلى مستشفى حكومي آخر، يقول “محمد أحسن صالح”، مرافق أحد المرضى، إن المستشفى لا يوجد به مقاعد للجلوس عليها وانتظار الدور مما يجعل المرضى والمرافقين يجلسون على المصاعد والطرقات ورغم أنات المرضى والبرد الذي يتعرضون له في “صالات” وممرات المستشفى، على مرأى من إدارة المستشفى إلا أنها لا تعيرهم اهتماماً بل تتلفظ بألفاظ لا تحترم آدمية المرضى.

كما كشف لنا أن معاملة الأطباء للمرضى معاملة سيئة للغاية فى ظل غياب الرقابة ومسئولى الصحة، وأضاف: “يعاملونا كأننا حشرات، أوكلاب، وعاد الحوثيين عينوا لنا واحد خطيب جامع يفترض انه يعلمهم على الاقل الاحترام، ويصرفوا لهم رواتبهم على الاقل من الفلوس اللي ندفعها حتى على ضرب الإبره”.

الأستاذة “نوال سلطان” تربوية يعاني زوجها من فشل كلوي، تقول لـ “نيوزيمن”، كل أسبوع نغسل مرتين، وتستمر معاناتنا بشراء الإبر الخاصة بذلك، وشراء كل المستلزمات حتى المعقمات، رغم انه يتم توفيرها مجاناً عبر المنظمات الدولية. وتضيف “ما ندري ما يشتوا مننا، نجي من الصباح ويرجمونا في الطارود إلى العصر بحجة أنه ما قد جاء دورنا، رغم انهم يدخلوا من يشتوا بمقابل مادي”.

وتؤكد الأستاذة نوال أن هذا الإهمال والتسلط دفع بالكثير من المرضى الميسورين الذهاب للغسل في مستشفيات خاصة، وعلى ما يبدو أن هناك سياسة متبعة في المستشفيات الحكومة المدارة من قبل الحوثيين لإجبار الناس للذهاب للمشافي الخاصة التي لا تستبعد كما قالت حصولهم على مقابل وعمولة لأن الإهمال والتعامل السيئ هو أسلوب تطفيش.

حقل تجارب

الأطباء جعلوا المرضى المترددين عليهم حقل تجارب، حيث شهدت على مدار الشهور الماضية مهازل لا حصر لها، ومنها وفاة طفلة اسعفها والدها بسبب الحمى وهي تمشي على رجليها وبعد ربع ساعة أخرجوها لها ملفوفة بالكفن، بسبب حقنها بعقاقير لا تتناسب معها قيل إنها كانت ملوثة بسبب سوء التخزين. والخطير أن العقار غير مسموح باستخدامه ولكن لا غرابة فنحن في ظل سلطة “المهزلة الحوثية”.

وهناك واقعة أخرى لأحد المرضى ويدعى “مروان محمد علي” دخل المستشفى مصاباً ببعض الطعنات جراء شجار مع بعض الشباب في أحد أسواق القات، وما إن دخل الاستقبال حتى كان فى انتظار عائلته قائمة من الطلبات الضرورية لإنقاذه، قبل أن يلفظ أنفاسه، والقائمة طويلة بداية من الإبر والخيوط والشاش والقطن والمطهرات… إلخ من طلبات ضرورية يفترض أن توفرها مستشفيات الدولة لإنقاذ الحالات الطارئة.

وهذا مريض آخر يدعى محمد محمود من إحدى قرى محافظة “إب”، مازال «مندهشاً» هو وأسرته من حجم الأدوية والمستلزمات التى أجبر على شرائها من الصيدليات الخارجية وعلى نفقته، مما اضطر والده إلى الاستدانة بعد أن باع كل ما يملكه على علاج فلذة كبده!

أما المواطن “عبد الرحمن سعد” فاكتفى بمناشدة وزير الصحة في حكومة “الحوثي” إنقاذه من الإهمال والتساهل الطبي في مستشفيات العاصمة صنعاء وقال: أشكو من عدم علاجى بالطريقة المناسبة لحالتى حيث إننى أعانى من دوالى فى الساق اليسرى بسبب إصابتى قبل سنوات وأصر الدكتور على «تجبيس» القدم رغم خطورته… وبعد ساعات قام بفك الجبس بسبب تدهور حالتى بعد أن أصبت بجلطة فى ساقي، ويرفض الأطباء تشخيص حالتي رغم عدم قدرتى على الحركة وأنا موظف بسيط وبسبب مرضي وعدم قدرتي على الوقوف والوضع الذي يعيشه الموظفون لا يحتمل مصاريف شراء أدوية.

وأخيراً.. تبقى الدولة وعودة المؤسسات الحكومية بمفهومها الحقيقي لا المليشاوي هي الضامن لفرض رقابة موثوقة وصارمة كون ذلك هو المعيار الرئيسي لنجاح أية مؤسسة، فإذا كانت هناك رقابة جيدة مشددة على تلك المؤسسات عامة والمستشفيات خاصة فلن يشتكي مريض ولن تتخاذل الإدارات، ولن يتحول الإنسان لحقل تجارب، ولا يخفى على الجميع بأن الطب مهنة إنسانية في المقام الأول يفترض أن يقوم عليها أشخاص سخروا جهودهم لتقديم العلاج ومساعدة المرضى ووهبوا وقتهم لكل محتاج.

كما أعتقد بأن من أبسط حقوق المواطن الحصول على الرعاية الطبية اللازمة بشكل يليق بإنسانيته.

تقرير خاص لــ نيوزيمن

شارك