اسرار المجتمع || «إبادة ثقافية» في اليمن .. التاريخ يذرف دما على يد «الحوثي» | تفاصيل

«إبادة ثقافية» في اليمن .. التاريخ يذرف دما على يد «الحوثي» | تفاصيل

#اسرار_سياسية _

الاقتصادية

تتعرض مدن تاريخية يمنية لمحو و”إبادة ثقافية” بشكل كامل أو جزئي، فبعد القتل وممارسة التخريب اللذين ترتكبهما ميليشيا الحوثي، أصبحت آثار اليمن مستباحة يتم تهريبها إلى دول العالم، فيما تتعرض مدينة زبيد الأثرية، التي تعد أول مدينة يمنية بُنيت في الإسلام، لطمس هويتها الإسلامية، وتدمير لأجزاء كاملة من بنيانها وتاريخها العريق.

حضارة «زبيد» في مرمى النيران

لم توفر جماعة “الحوثي” الإنسان ولا الحجر، بدلا من غرس شجرة، غرست ميليشيات الحوثي مئات الألغام في مدينة زبيد الأثرية المدرجة على قائمة التراث العالمي منذ عام 1993، والمبنية في عام 204 للهجرة في محافظة الحديدة غرب البلاد، وكانت مركزا لحكم دويلات متعاقبة في اليمن، ومنارة دينية مهمة.

ميليشيات الحوثي استهدفت أيضا أسوار المدينة التاريخية، التي كانت فيما مضى ثلاث قرى صغيرة، فطاله الخراب والتدمير، في وقت لم ترحم فيه هذه القوات الغاشمة تاريخا عريقا، فألحقت خسائر ثقافية لا تحصى في اليمن، بما في ذلك تهريب الآثار والكنوز التراثية والمخطوطات الإسلامية النفيسة، التي تتضمن وثائق ودررا إسلامية ورصدا لتاريخ تليد.

ما طال اليمن من دمار للثقافة والأثر والتاريخ، يتشابه إلى حد كبير مع ما ذكره الأكاديمي الأمريكي “لورنس ديفيدسون” في كتابه “الإبادة الثقافية”، الذي تناول الإبادة الثقافية بديلا للإبادة الجسدية، كمصطلح ظهر للمرة الأولى في عام 1944، واعتبرت “الإبادة” وإلحاق الأذى بالثقافة جريمة، يعانيها السكان الأصليون في مختلف دول العالم، منها بلدان عربية مثل فلسطين والعراق وسورية واليمن.

تدمير القيم

“أن يعمد مجتمع ما قاصدا إلى إضعاف وتدمير القيم والممارسات الثقافية العائدة لمجموعات لا تنتمي إليه”.. هكذا قدم ديفيدسون، أستاذ التاريخ في جامعة ويست شيستر بالولايات المتحدة، التعريف الأولي لمفهوم الإبادة الثقافية.

ويذكر المؤلف مستدلاً على هذا المفهوم ما ينفذه اليهود من سياسات للإبادة الثقافية في فلسطين، إذ يشير إلى سياسات الترحيل التي مارستها القوى اليهودية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي ضد الفلسطينيين، ويقول “إن كلمة (ترحيل) أصبحت هي المصطلح المهذب للإبادة الثقافية والتطهير العرقي”، مضيفا أنه لتنفيذ التهجير القسري شرع اليهود في تنفيذ مجازر بشعة بغرض نشر الذعر بين السكان الأصليين، وتدريجيا نجحت عمليات القتل والترهيب في إخلاء وتدمير 419 قرية ومدينة فلسطينية، وأصبح أغلب الفلسطينيين لاجئين، وترافق مع هذه الإبادة الجسدية إبادة ثقافية، فشرع الصهاينة في التهويد الثقافي، ومارست اللجنة التابعة للصندوق القومي اليهودي محوا منظما للتاريخ العربي من التقارير والخرائط وكتب التاريخ الرسمية في الكيان الصهيوني، وخلال الخمسينيات سمحت الحكومة اليهودية للجنود بنهب المواقع المقدسة الإسلامية والمسيحية، والمتاحف، والآثار، واللوحات الفنية، وحتى السجلات والوثائق وكل ما تطوله اليد.

ولم تقف يد الإبادة إلى الآثار وحدها؛ بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث يصف الاحتلال الإسرائيلي الفلافل والتبولة والحمص وورق العنب وغيره من الأكلات بأنها أكلات إسرائيلية، في إبادة جماعية للإرث الثقافي العربي، إذ تعد هذه الأكلات إرثا لدول عربية مثل فلسطين ولبنان وسورية.

في العراق إبادة للتاريخ

في مشهد آخر، يذكر بقتل الفلسطينيين واقتلاعهم من أرضهم، شهد تاريخ العراق وثقافته محاولات إبادة في مراحل زمنية مختلفة، لعل أبرزها تعرض القطع الأثرية النفيسة للسرقة أثناء غزو العراق عام 2003، وما يقوم به تنظيم “داعش” الإرهابي في أجزاء مختلفة من البلاد، إذ قام بتدمير متحف الموصل في عام 2014، ودمر مواقع أثرية تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وبيع القطع الأثرية في السوق السوداء.

وما يزيد الأمر مرارة، هو أن آلاف القطع الأثرية وجدت طريقها إلى مزادات عالمية، وانتهت بمتاحف في دول أوروبية، ويقدر عددها بـ 15 ألف قطعة أثرية.

وبحسب تصريحات للهيئة العامة للتراث في وزارة الثقافة والآثار العراقية، فإن العراق يواصل استرداد آثاره، إذ استعاد أكثر من أربعة آلاف قطعة أثرية، تحمل أرقاما متحفية من محتويات متحف بغداد، وأكثر من 200 ألف قطعة أثرية تم استردادها من مسروقات النبش العشوائي.

تجارة الآثار في اليمن

التهديد بتدمير مدينة زبيد الأثرية اليمنية ليس أول ولا آخر ما نفذه الحوثي في إطار إبادته لثقافة اليمن، فقد قام الحوثي أيضا بإلحاق أضرار في مدن قديمة مثل ذمار وتعز ومأرب والجوف وصعدة، بكل ما تحتويه من قلاع وحصون وسدود ومعابد ومتاحف وأسوار، كما أن مراكز ودور المخطوطات المنتشرة في المحافظات كافة، ويعود معظمها إلى فترات ضاربة في التاريخ القديم تتراوح بين آلاف ومئات السنين، طالتها السرقة.

ومن أكثر المناطق تعرضا لأضرار جسيمة مدينة صنعاء القديمة، إحدى أقدم مدن العالم الآهلة بالسكان حتى اليوم منذ أكثر من 3000 سنة، وقد وضعتها “اليونيسكو” منذ عام 1985 ضمن قائمتها للتراث الإنساني العالمي.

مدينة تعز بدورها نالها النصيب الأكبر من عمليات التدمير والنهب الثقافي، إذ قصف الحوثيون عديدا من المواقع الأثرية في المدينة بالمدفعية الثقيلة، مثل مقر الهيئة العامة للآثار والمتاحف الذي يضم عديدا من القطع الأثرية والمخطوطات النادرة التي التهمتها النيران، كما طال الدمار قلعة القاهرة التاريخية التي تطل على مدينة تعز، ويعود تاريخ بنائها إلى النصف الأول من القرن السادس الهجري، فلحقها دمار كبير.

وفي مأرب، دأب الحوثيون على قصف سد مأرب، أبرز معالم اليمن التاريخية والأثرية، بعد فشلهم في السيطرة على المدينة، وهو السد الذي يعود تاريخه إلى بدايات الألفية الأولى قبل الميلاد.

وقد تناولت تقارير دولية الأضرار التي لحقت بالمتحف الوطني بصنعاء، أحد بنوك الآثار اليمنية، حيث اختفت عديد من القطع الثمينة منه، ويعتقد أنها عبرت القارات، وما يؤكد ذلك إعلان السلطات الأمنية السويسرية عن ضبط قطع أثرية مسروقة في جنيف، قادمة من اليمن. فيما ذكرت مواقع إخبارية يمنية أن جماعة الحوثي حاولت تهريب واحدة من أقدم نسخ القرآن الكريم المحفوظة في الجامع الكبير بصنعاء، والتي كتبت على جلد الغزال، ولم يتضح مصير هذه النسخة بعد.

وكانت إيرينا بوكوفا الأمين العام لـ “اليونيسكو” قد وصفت ما يحدث لآثار اليمن وكنوزه التاريخية بأنه “تدمير لواحدة من أعرق جواهر الحضارة الإنسانية والإسلامية”.

 

شارك