اسرار دولية| ما هي التحديات التي تواجه الشرق الأوسط بعد #داعش؟

ما هي التحديات التي تواجه الشرق الأوسط بعد #داعش؟

اسرار سياسية_وكالات
عمدت واشنطن إلى إقامة علاقات مع جماعات متخاصمة؛ من أجل دحر تنظيم داعش الإرهابي، ولكن “تُرى ماذا سيحدث عندما يتم القضاء نهائياً على هذا العدو المشترك؟”.

في ما يتعلق بدور إيران في محاربة داعش في سوريا، لجأت الولايات المتحدة إلى الغموض، انطلاقا من مبدأ “عدو عدوي صديقي” في بعض النواحي ولبعض الوقت

إنه التساؤل الذي طرحه جوشوا جلتزر، المدير السابق لمكتب مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن الوطني الأمريكي، في مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية، لافتا إلى استراتيجية “الغموض المتعمد” التي انتهجتها واشنطن في مواقفها إزاء عدد من القضايا الرئيسية في المنطقة.

ويستهل جلتزر مقاله بالإشارة إلى الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الثلاث الأولى للحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لدحر داعش في العراق وسوريا وأبرزها القضاء على كبار قادة التنظيم، وإسقاط “العواصم المزدوجة” لداعش في الموصل والرقة، وتقويض الملاذات الآمنة التي يستخدمها الداعشيون في تخطيط الهجمات الإرهابية. ومن ثم فإن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادى كانت لديه بعض المبررات لإعلان الانتصار على داعش بالعراق في يوم 9 ديسمبر (كانون الأول) الجاري.

الغموض الإستراتيجي

ويعتبر جلتزر أنه من السذاجة الاحتفال بهذا الانتصار في مطلع العام الجديد، ليس فقط لأن المرحلة الأخيرة من دحر أي جماعة إرهابية ربما تكون الأصعب على الإطلاق (حيث أدركت الولايات المتحدة هذا الدرس جيداً من بقايا تنظيم القاعدة في العراق)، ولكن أيضاً بسبب أن التحديات الإقليمية، التي تعاملت معها الولايات المتحدة بسياسية “الغموض الإستراتيجي”، لم يعد ممكنا تجاهلها ومن الصعب الاستمرار في التعامل معها على هذا النحو.

ويوضح جيتزر أن “الغموض الإستراتيجي” يعني انتهاج الغموض المتعمد أو عدم الوضوح في صياغة سياسة الولايات المتحدة إزاء التحديات الإقليمية؛ بهدف السماح لمختلف الجماهير بتفسير السياسة ذاتها بأشكال مختلفة من أجل خلق المرونة لتحقيق الأهداف المنشودة. وقد لجأت واشنطن إلى سياسة الغموض الإستراتيجي لأنها أثبتت جدواها ومدى ضرورتها لنجاح الحملة ضد داعش، وبخاصة في ظل الحرص على عدم تورط أعداد هائلة من القوات الأمريكية في مهمة دحر داعش.

إستراتيجية مؤقتة

ويدافع جلتزر عن هذه السياسة قائلاً: “لم ترتكب واشنطن خطأ بانتهاج هذا الغموض المستمر في مواقفها إزاء القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط؛ إذ كنا (أنا وزملائي في إدارة أوباما) حريصيين على الحفاظ على هذا الغموض في المراحل الرئيسية، ولكنها سياسة غير مستدامة وسوف تضطر الولايات المتحدة إلى إصابة بعض الذين اعتقدوا أن بإمكانهم الاعتماد عليها بخيبة الأمل، ومواجهة آخرين حاولت واشنطن تأجيل الصراع معهم”.

ويتابع جلتزر: “وفي الوقت نفسه لا يجب النظر إلى عدم القدرة على الحفاظ على هذا الغموض باعتباره دليلاً على فشل إدارة ترامب التي حافظت فعلاً على زخم الحملة ضد داعش في العراق وسوريا، وفي كل الأحوال لم يكن ذلك الغموض سوى إستراتيجية مؤقتة، بيد أننا يجب أن نشعر بالقلق إزاء الدبلوماسية الحمقاء التي ربما تنطوي على عواقب وخيمة”. وحدد جلتزر أربع قضايا رئيسية انتهجت الولايات المتحدة سياسة الغموض الإستراتيجي في التعامل معها، وهي:

أولاً: مستقبل الأكراد العراقيين

اعتبرت الولايات المتحدة الأكراد “شركاء أساسيين” في الحملة ضد داعش، ولكنها في الوقت ذاته أكدت مراراً وتكراراً على التزامها بدولة عراقية موحدة، وهو شرط مسبق لإقامة علاقة وثيقة مع بغداد التي تُعد شريكاً حاسماً آخر ضد داعش. ولسنوات رفضت واشنطن عن عمد التعامل مع الخلاف ما بين بغداد والأكراد بسبب سعيهم للاستقلال، ولكن موقف الولايات المتحدة لم يعد غامضاً خلال الشهور الماضية بعد أن واصلت دبابات بغداد احتلال حقول النفط الكردية في أعقاب تصويت كردستان العراق على الاستقلال. ويشير السماح الأمريكي بهذا الأمر إلى أن واشنطن تميل نحو بغداد.

ثانياً: أكراد سوريا

لعب الأكراد السوريون دوراً حاسماً في تقليص الملاذ الآمن الذي كان يتمتع به داعش لشن الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، ولكن الأكراد السوريين أيضاً لديهم طموحات في الحكم الذاتي، إن لم يكن الاستقلال التام، الأمر الذي يثير المخاوف في العواصم الإقليمية الأخرى مثل دمشق التي تسعى إلى إعادة سيطرتها على كل الأراضي السورية، وأنقرة التي تعتبر الأكراد إرهابيين مسؤولين عن شن الهجمات الدموية داخل تركيا.

ويوضح جلتزر أن واشنطن لا تزال تنتهج سياسة غامضة إزاء هذه القضية لضمان الشراكة الحيوية مع الأكراد السوريين في تطهير معاقل داعش وكذلك الحفاظ على العلاقات مع تركيا لضمان انطلاق عملياتها العسكرية ضد داعش من قاعدة أنجرليك الجوية، ولكن مع تطهير الرقة ودمشق من داعش (بدعم موسكو)، سوف تضطر واشنطن في القريب العاجل إلى إظهار مدى دعمها للأكراد السوريين.

ثالثا: نفوذ إيران في سوريا

تتصارع إيران، حليفة بشار الأسد، لتحقيق النفوذ في سوريا ما بعد داعش، وبالطبع لم تتبنّ واشنطن سياسة غامضة بشأن موقفها إزاء إدانة جوانب معينة لسلوك طهران مثل دعمها للجماعات الإرهابية (حزب الله على سبيل المثال)، ولكن في ما يتعلق بدور إيران في محاربة داعش في سوريا، لجأت الولايات المتحدة إلى الغموض، انطلاقا من مبدأ “عدو عدوي صديقي” في بعض النواحي ولبعض الوقت.

ولكن الوقت ينفد الآن، وبينما تتصارع القوات العسكرية المختلفة في الأماكن التي باتت خالية من داعش في سوريا، تقوم القوات الأمريكية بإسقاط الطائرات بدون طيار الإيرانية في المجال الجوي السوري؛ فإن مثل هذا الإجراء يعني زوال الغموض عن كيفية التعامل الأمريكي مع إيران في سوريا.

رابعا: مستقبل سوريا

وتتمثل القضية الرابعة والأخيرة التي يطرحها جليتزر في مستقبل سوريا ودور بشار الأسد وداعمه فلاديمير بوتين، ويبدو التعامل مع موقف الولايات المتحدة إزاء هذه القضية باعتباره غامضاً من الأمور الغريبة في ظل مطالبات واشنطن المتكررة برحيل الأسد عن السلطة. ولكن على الرغم من وحشية نظام الأسد، فإن هذا الأمر لم يتحقق.

وبغض النظر عما إذا كان الشيء الحقيقي الواجب توافره لمستقبل سوريا من وجهة نظر واشنطن يتمثل في هيكل دستوري جديد لا يكون فيه الأسد رئيساً للبلاد على الأقل من الناحية الشكلية حتى إذا احتفظ بدور الحاكم المهيمن في البلاد، أو حصول الأكراد على الحكم الذاتي، فإن النوايا الحقيقية للولايات المتحدة سوف تتضح سريعاً، وبخاصة مع تراجع وجود داعش الذي كان يفرض نهجاً محدداً للتعامل مع القوات الروسية وقوات نظام الأسد التي كانت تستفز القوات الأمريكية بشكل متزايد داخل الحدود السورية.

تفاقم الأزمات

ويحذر جلتزر من أن ضعف تنسيق واشنطن والسياسة الخارجية الصماء والمقاربات الإيديولوجية للسياسة الخارجية، كلها عوامل ربما تقود إلى الإسراع بزوال الغموض الإستراتيجي الذي تنتهجه الولايات المتحدة إزاء التحديات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط خلال 2018، فضلاً عن تحويلها إلى قضايا خطيرة بلا داعي. وعلى سبيل المثال، فإن الدعوة الصريحة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون (في توقيت سيء) بشأن تفكيك الميليشيات المدعومة إيرانيا أو مغادرتها العراق أسفرت عن تفاقم النزاع الخطير القائم بين بغداد والأكراد العراقيين. وعلاوة على ذلك، فإن سوء معالجة القضايا الرئيسية في العلاقات الأمريكية التركية يقود إلى تفاقم قضية مستقبل الأكراد السوريين ويثير احتمالات حدوث أزمة بين واشنطن وأنقرة.

ويختتم جلتزر بأن الولايات المتحدة لديها أسباب وجيهة في عدم اتخاذ مواقف واضحة إزاء المنافسات والصراعات المشحونة في المنطقة، وأن الانسحاب من سياسة الغموض الإستراتيجي سيكون طريقاً صعبا لأي إدارة أمريكية؛ لاسيما إدارة ترامب التي تعاني من الكثير من الفوضى، ناهيك عن الوضع الهش لوزارة الخارجية الأمريكية، وغياب التركيز الأساسي اللازم لمواجهة هذه التحديات وإرساء الأسس لاستقرار المنطقة.

شارك